دراسات إسلامية
ما هو الإعلام الإسلامي
(1/2)
بقلم : عبد القادر طاش رحمه الله
تتميَّز رسالة الإسلام بأنّها منهج شامل للحياة
بامتدادها الدنيويّ والأخروي: ﴿قُل: إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي ومَحْيَايَ
وَمَمَاتِي للهِ ربِّ العالمينَ ، لا شَريكَ له . وبذلكَ أُمِرْتُ وأَنا اوَّلُ
المُسلمينَ﴾ "سورة الأنعام: 162-163". ولقد اعتورت
المسلمين في حياتهم الحاضرة أسبابُ الضعف والتفكّك، وعوامل الانحراف والتفلّت حتى
ذَبُلَ في نفوسهم وسلوكهم الفردي والاجتماعي ذلك التصور الشموليّ للإسلام باعتباره
منهجًا للحياة، ودستورًا لحركة الإنسان والمجتمع في هذا الكون .
ولعلَّ من نعمة الله علينا – نحن المسلمين –
أن تشهد الساحة الإسلامية في الآونة الأخيرة صحوةً إسلاميةً مباركةً، تنطلق من
الإحساس بالحاجة إلى تطوير مناهج الإصلاح في حياة المسلمين، بما يتوافق مع أصالة
المنهج الإسلامي باعتباره صالحًا لكل زمان ومكان أولاً، وبما يستوعب متغيّرات
المرحلة الراهنة التي يعيشها المسلمون ثانيًا، وبما يتواءم مع الاستجابة الواقعية
المُبصرة للتحديات التي تواجه التطبيق العملي المتكامل للمنهج الإسلامي في واقع
الحياة المعاصرة أخيرًا .
وإنَّ من المنطق – ونحن نشهد الصحوة المباركة
– أن ننادي بتحويل الإحساس بالحاجة إلى شمولية الإصلاح، وتكاملِ التطبيق للمنهج
الإسلامي، إلى برنامج عملٍ واضحِ المعالم، مفصّلِ الجوانب، يقدّم البدائلَ
الإسلامية في مختلف مجالات الحياة .
وتكتسبُ المطالبة بإيجاد البديل الإسلامي في
ميدان الإعلام – بجانبيه النظري والتطبيقي – أهميةً بالغةً لما تتمتع به وسائل
الاتصال الجماهيرية اليوم من مكانة خطيرة في توجيه عقليّات الجماهير، وتشكيل
سلوكياتها في الحياة، في عالمٍ تحوّل إلى "قرية كونية"، قصّرت وسائل
الاتصال الالكترونية المسافات بين أجزائه، وربطت شبكةً معقّدةً من الاتصالات بين
دوله وشعوبه، بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الإنسانية كله .
إنَّ وسائل الاتصال الجماهيرة تُعَدّ اليوم
الجهازَ المركزي الذي يوجّه الفرد والمجتمع، ولذلك فإنَّ صياغة منهجٍ للإعلام
الإسلامي يعمل على سدّ الفراغ الهائل في منظومات المنهج الإسلامي ليعتبر ضرورةً
ملحّةً؛ حتّى يمكن بلورة أنموذج جديد للإصلاح الإسلامي يقوم على الشمول والتكامل
والواقعية .
وهذه الإضاءات المتواضعة محاولةً لطرح بعض التساؤلات
الحيويّة حول الإعلام الإسلاميّ، ومفهومه، ودوره، ومسؤوليته، في وقتٍ نحن في مسيس
الحاجة فيه إلى جلاء صورته، وتحديد معالمه، والكشف عن كنوزه وذخائره، والتخطيط من
أجل تحويله إلى واقع حيّ، يتعانق فيه القولُ مع العمل، وتتلاحم فيه النظرية
بالتطبيق. وتتركّز الإضاءات التي أحاول تسليطَها حول ثلاثة تساؤلات هي:
-
لماذا نحتاج إلى الإعلام الإسلامي ؟
-
وما الإعلام الإسلامي الذي نريد ؟
-
وكيف نصل إلى الإعلام الإسلامي ؟
لماذا الإعلام الإسلامي ؟
إنَّ المطلب القيّم لا بدّ أن
تتوافر له مبرّرات قويّة ومقنعة، تسوّغ تبنِّيَه بإخلاص، وتدفع إلى الدعوة إليه
بإلحاح، وتقوّي العزائم في سبيل تحقيقه في الواقع بلا توانٍ أو هبوط. وتستند
المطالبة بأسلمة الإعلام وصياغته صياغةً إسلاميّةً إلى مبررات ثلاثة هي:
1- المبرّر المنطقيّ :
لقد جاء الإسلام – كما ذكرنا سابقًا – ليكون
منهجًا شاملاً للحياة كلّها بجميع جوانبها ومجالاتها. وقد رسم الإسلامُ للإنسان
معالمَ لنظمه الاجتماعية المختلفة؛ لتتوافق هذه النظم مع الغاية الرئيسة لوجوده،
وهي استخلاف الله له في الأرض لعمارة الكون وفق منهج الله وتحقيق عبادته وحده.
وارتباط المسلم بإسلامه ليس ارتباطاً
عاطفيًّا روحيًّا فحسب؛ بل هو – إلى جانب ذلك – ارتباط واقعيّ علميّ من خلال تطبيق
شرائع الإسلام وهديه وتعاليمه السامية وتوجيهاته الربانية في مجموعة من النظم
الإسلامية التي حكمت حياة المسلمين في شؤونهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
والمدنية والعسكرية .
وعندما ضعف التزام المسلمين بمبادئ دينهم،
وتكالبتْ عليهم القوى الاستعمارية التي استهدفت خلخلةَ الصور الشمولي للإسلام
وتطبيقه في حياتهم، تحوّل ارتباط معظم المسلمين بالإسلام في العصر الحاضر إلى مجرد
ارتباط عاطفيّ محدود، يكتفي فيه المسلم بإقامة شعائره التعبديّة، وتزكية نفسه
بالرياضات الروحية والأخلاقية الفردية. وقد نتج عن هذا المفهوم المغلوط لحقيقة
الالتزام الإسلامي أن حفلت حياة المسلمين بصور الازدواجية والتناقض بين الارتباط
العاطفي بالإسلام في ميدان العبادة والأخلاق الفردية، وبين الارتباط العملي
الواقعيّ بالمذاهب المناقضة للإسلام في ميدان النظم والتشريعات الاجتماعية
والسياسية والاقتصادية .
إنَّ حياة المسلمين المعاصرة لن تتحقق لها
الصبقة الإسلامية إلاّ عندما ينسجم ارتباطها العاطفي بالإسلام في الجانب العَقَدي
والروحي والفردي مع ارتباطها العملي والواقعي بالإسلام في الجانب التشريعي
والتنظيمي. ومن هنا تكتسب الدعوة إلى صياغة المعارف والنظم في حياة المسلمين
صياغةً إسلاميةً أهميةً بالغةً. بل إنَّ تحقيق هذا الهدف يعتبر التحديّ الحقيقي
الذي ينبغي على الأمة الإسلامية أن توجهه في وقتها الراهن .
ويعتبر الإعلام فرعًا مهما من فروع المعرفة
العلمية والتطبيقية التي تحتاج إلى العناية بتأصيل مفاهيمها ومناهجها وتهذيب
أساليب وطرق ممارستها الواقعية وفقًا لهدي الإسلام وتوجيهاته. وتتعاطم أهمية صياغة
النظام الإعلامي: فلسفةً وغايةً ومنهجًا وممارسةً، صياغةً إسلاميةً في ضوء إدراكنا
لأهمية الإعلام في حاية المجتمعات، وخطورة ما يقوم به في التأثير على الأفراد
والجماعات سلبًا كان هذا التأثير أو إيجابًا .
إنَّ المبرر المنطقي للمطالبة بصياغة الإعلام
صياغةً إسلاميةً، يؤكد على أن هذه الصياغة نتيجة منطقية لشمول المنهج الإسلامي
وتكامله .
2 – المبرّر
الواقعي :
يواجه المسلمون اليوم في مختلف أقطارهم
ومواطنهم غزوًا فكريًا وثقافيًا وحضاريًّا رهيبًا. ولم يَعُد هذا الغزو الحضاري
الشامل مقصورًا على الوسائل التقليدية للغزو من كتبٍ استشراقية، أو مذاهب هدّامة،
أو مؤامرات استعمارية مكشوفة. لقد انتهى عصر الغزو الاستعماري الاستشراقي المباشر.
إنَّ الغزو الحضاري الذي تواجهه الأمة الإسلامية يستخدم وسائل جديدة، وأساليب
جديدة. إنَّ الرسالة الغازية تعبر إلى الأجيال الصاعدة، بل إلى العقول المثقّفة،
عن طريق الخبر الذي تبثّه وكالة الأنباء، والتحليل السياسي، أو الاقتصادي الذي
تكتبه الصحيفة، والصورة التي ترسلها الوكالات المصوّرة. والرسالةُ الغازية تعبر
إلى العقول المثقفة عن طريق الفيلم التلفازي المدهش، وعن طريق شريط الفيديو، وعن
طريق البرنامج الإذاعي المشوّق. والرسالةُ الغازية تعبر إلى الأجيال الصاعدة عن
طريق فيلم الكرتون المتقَن. والرسالةُ الغازية تعبر إلى العقول المثقفة والأجيال
الصاعدة عبر النظريات المدسوسة في مناهج التربية والتعليم، معلّلةً بدعاوي العلم
والتقدم والاكتشافات الحديثة!!
ولقد أعجبتني كلمة معبّرة لأحد المثقفين يقول
فيها: "إنّ الغزو الثقافي الخَطِر اليوم لم يَعُد يأخذ صورة
مبشّر في كنيسة يُقنع "المحليّين الهَمَج" باعتناق "ديانة متحضّرة" وإنْ كانت
النشاطات التبشرية في بعض أنحاء العالم الثالث لا تزال مصدر تهديدٍ ثقافيّ لا
يُستهان به، والغزو الثقافي الخَطِر اليوم لم يَعُد يتخذ شكل مؤامرة استعمارية
تستهدف تشكيك شعب ما في تاريخه وأخلاقه وديانته، وإنْ كان الحديث لا ينقطع عن
مؤامرات كهذه، حقيقية أو وهمية. إنَّ أخطر ما في الغزو الثقافي المعاصر أنه أصبح
ذا دافع ذاتي تلقائي، يتمّ دون مجهود من الجهات الغازية، ويتمّ دون أن يدرك ضحية
الغزو أنّه معرَّض لأي خطر، فيُقدِم، في حماسةٍ وبلاهة، لا على قبول الغزو فحسب؛
بل إلى اعتناقه واحتضانه. هنا مكمن الخطر".
إنَّ هذا الغزو الحضاري الرهيب يعمل على
زعزعة مبادئ الإسلام وقيمه وهدم أخلاقياته ومُثُله في نفوس أبناء المسلمين لينشأوا
في غُربةٍ عن دينهم وحضارتهم وتراثهم، ويصبحوا فريسةً سائغةً للأفكار الغربيّة
ونمط الحياة الغربية بكل ما فيها من انحرافات ومفاسد وأوبئة. ولقد وصل هذا الغزو
إلى منازلنا ولم يَعُد أمامنا مفرٌ من مواجهته، المواجهة الصحيحة التي لا تكتفي
بالتنديد والصراخ والدعاء بالويل والثبور، بل بتطوير استراتيجية مُحكَمة تعتمد على
هدفين :
الأول : توجيه الإعلام في الدول الإسلامية
نحو الأصالة والذاتية النابعة من قيم الإسلام ومبادئه، وتوفيرُ الجوّ الملائم
والدعم المناسب لصنع البدائل الإسلامية التي تقف في مواجهة ما يقدّمه الغرب.
والثاني: تنقية الإعلام – إلى جانب التعليم –
من المؤثـّرات الغربية العلمانية والإلحادية، وتفنيد ما تقدّمه وسائل الإعلام
الغربية من مفاسد وانحرافات وبيانُ عُوارها وتهافتها بمنطقٍ مقنع وبوسائل مكافئة.
وهذه المواجهة الواقعية للغزو الفكري
والثقافي في صورتها الشاملة المتكاملة المتكافئة لن تتحقق إلا عندما تتبلْور في
أذهان المسلمين الصورةُ الحقيقية للإعلام الإسلامي، وتتوالى معطياته الواقعية
وثمراته العملية في وقاعهم المعاصر؛ إذ لا يمكن أن يَهزِم الباطلَ الزائفَ إلاّ
الحقُّ الأصيل: ﴿بَلْ نَقذفُ بالحَقِّ على الباطِلِ فَيَدْمَغُه فإذا هُوَ
زاهِقٌ﴾ (الأنبياء:18).
3 – المبرر
الإنساني :
وسائل الإعلام، لسان هذا العصر. وقد أدرك
أصحاب الديانات والمذاهب والأفكار الوضعية أهميةَ استغلال هذه الوسائل في سبيل
إيصال أفكارهم وعقائدهم ومذاهبهم إلى الناس. وكان النصارى الصليبيّون أكثر الناس
إدراكاً لهذه الأهمية، وأسبقهم إلى استخدامها في مجال التنصير.
وفي الوقت الذي ينشط فيه أصحاب الديانات
المحرّفة والمذاهب الفاسدة لاستغلال وسائل الإعلام لخدمة أغراضهم، نجد المسلمين
غائبين عن الساحة الإعلامية إلاّ بعض جهود محدودة لا أثر لها.
والبشرية اليوم قد سئمت من الدين المحرّف،
وانصرفت عن المذهب الفاسد، وهي تعيش ضياعًا وقلقًا واضطرابًا. وقد أثقل كاهلَ
الإنسانية في وقتها الراهن كابوسُ الإلحاد والعلمانية، والفساد الخلقي، والظلم
والاستبداد السياسي، والاستغلال الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي، وتعالتِ الصيحات
تبحث عن مصدر للأمان والعدالة والحياة الكريمة، فأين سيجدون كل ذلك إلاّ في
الإسلام؟!!
إنَّ البشريّة اليوم بحاجة إلى الإسلام أكثر
من أيّ وقت مضى والمسلمون مطالَبون – وفقًا للتوجيه الإسلامي بمخاطبة الناس بلغتهم
ووسائلهم – بأن يستخدموا وسائل الاتصال والإعلام في سبيل الدعوة إلى الإسلام،
وتوضيحِ صورته الناصعة، وإبراز محاسنه وثمراته للناس في كل مكان. إنَّ تبليغ رسالة
الإسلام العالمية، وإيصال دعوته إلى البشرية كلها مبرّرٌ إنساني عظيم للدعوة إلى
صياغة الإعلام صياغةً إسلاميةً حتى يمكن أن يؤدي هذا الإعلام دوره في الحياة
الإنسانية.
ماهو الإعلام الإسلامي الذي نريد ؟
تختلف نظرات الناس حول الإعلام الإسلامي ما
بين النظرة الجغرافية، والنظرة التاريخية، والنظرة الواقعية التجزيئيّة. فالنظرة
الجغرافية تفهم الإعلام الإسلامي على اعتبار أنه الإعلام الصادر من دول العالم
الإسلامي، أو الجهات التي تنتسب إلى الإسلام. وتكاد هذه النظرة أن تكون النظرةَ
السائدة في الدراسات الأجنبية عن الإعلام الإسلامي. ولذلك تصنّف هذه الدراسات
إعلامَ الدول التي تقع في إطار العالم الإسلامي ضمن الإعلام الإسلامي بمفهومه
الجغرافي الرسمي، دون تمييز في المنهج أو الغاية أو الممارسة .
والنظرة التاريخية للإعلام الإسلامي تكاد
تحصر الإعلام الإسلامي في إطارٍ زمني ضيّق؛ فتوحي بأن الإعلام الإسلامي مفهومٌ
تراثيّ، وممارسة محدودة في فترة زمنية معينة، مثل تلك الدراسات التي تتناول
الإعلام ووسائله في عهد النبوة أو الخلفاء الراشدين.
أما النظرة الواقعية التجزيئية للإعلام
الإسلامي، فتستند إلى صور الممارسة الواقعية لبعض جوانب الإعلام الإسلامي
المحدودة، وتفهم هذا الإعلام باعتباره إعلامًا "دينيًّا
متخصصًا". ولذلك يغلب على من ينحو هذا المنحى أن يفهم الإعلام
الإسلامي في حدود الصفحات الدينية، وركن الفتاوى، والخطب المنبرية، في الصحافة
اليومية، أو في حدود تلك الصحف والمجلات التي تسمّى نفسها بالإسلامية، أو في حدود
البرامج والأحاديث الدينية في الراديو، أو في حدود البرامج والأفلام والمسلسلات
التاريخية والدينية، التي يشاهدونها عبر الشاشة التلفازية أو السينمائية!!
ورغم أن هنالك بعض جوانب الصحة في هذه
النظرات المختلفة للإعلام الإسلامي؛ إلاّ أنها لا تعبّر عن حقيقة الإعلام الإسلامي
بشموله وتكامله، ولا تمثّل جوهره الأصيل، وخصائصه النظرية والتطبيقية. فالنظرة الجغرافية
تُوهم أنَّ الإعلام الصادر من دولة مسلمة يكتسب الشرعيةَ الإسلامية بمجرد انتسابه
إلى الدولة المسلمة، دون اعتبار لغاية ذلك الإعلام ومنهجه، ودون اعتبار لمضمونه
وأساليب ممارسته. والمؤسف أن واقع الإعلام المعاصر في كثير من دول العالم الإسلامي
لا يصوّر أبدًا حقيقة الإعلام الإسلامي. والتحليل العلمي الموضوعي يكشف لنا أن
كثيرًا من منطلقات الإعلام، ومضامينه، وأساليب ممارسته، وقواعد تنظيمه في كثير من
الدول المسلمة يسير في ركب التقليد والتبعيّة للأنماط الغربيّة أو الشرقية في
الإعلام، ويفتقد الهويَّة الإسلامية الواضحة!!
والنظرة التاريخية للإعلام الإسلامي، نظرة
قاصرة، إذ تحجّم هذا الإعلام وتصوّره على أنه إعلام تراثي عتيق، ينفصل عن الواقع،
ويبتعد عن معالجة قضايا العصر والاستفادة من معطياته ومنجزاته. والحقُّ أنَّ
الإعلام الإسلامي ليس مرتبطاً بفترة زمنية معيّنة، وليس محدودًا ببقعة مكانية
محدودة، بل هو منهج يتجاوز حدود الزمان والمكان، ويحمل في طياته بذور الملائمة لكل
زمان ومكان .
أما النظرة الواقعية التجزيئية للإعلام
الإسلامي، فهي نظرة مجحفة، غير منطقية، وهي مثل سابقتيها تحجّم هذا الإعلام،
وتفصله عن الواقع، وتخصّص له جزءًا محدودًا من النشاط الإعلامي الحافل. وهذه
النظريات ذات أثر خطير في حياة المسلمين؛ لأنها تفصل الإعلام بنشاطاته الواسعة
وممارساته المتنوعة، عن الهدي الإسلامي، وتكتفي بتحكيم الإسلام في جزءٍ من النشاط
الإعلامي، ثم لا تبالي أن يناقض الإعلام مبادئ الإسلام وأخلاقه ويتعدّى حدوده
وضوابطه في الأجزاء الأخرى التي يطلق عليها "الإعلام العام"!! وكأن هذا
المفهوم يقترب من المفهوم الغربي العلماني في فصل الدين عن الحياة، واعتبار الدين
شأنًا فرديًا وعقيدةً مكنونةً، يخصصّ له جزء من النشاط الإنساني، ولا سلطان له على
الواقع، ولا هيمنة له على الحياة الاجتماعية ونشاطاتها العامة.
إنَّ المفهوم البديل؛ بل المفهوم الحقّ
للإعلام الإسلامي هو المفهوم المنهجي الذي لا يجعل مقاييس إسلامية الإعلام مبنيّة
على أساس الحدود الجغرافية والمكانية، أو الوضعية التاريخية المحدودة، أو الممارسة
الواقعية الخاطئة للإعلام في الحياة، بل يبني تلك المقاييس والمعابير على أساس
المنطلقات الرئيسة والأطر الفكريّة والاجتماعية والإنسانية المنبثقة من روح
الإسلام وتصوراته الكلية وقيمه السامية، وعلى أساس الضوابط الشرعيّة التي ينبغي أن
يسير الإعلام على هدي منها. ويلتزم بها في نشاطاته المختلفة وممارساته الواقعية .
إنَّ الإعلام الإسلامي – بهذا المفهوم
المنهجي – روح تسري في النشاط الإعلامي كلّه، تصوغه، وتحرّكه، وتوجّهه منذ أن يكون
فكرةً إلى أن يغدو عملاً منتجًا متكاملاً، مقروءًا كان أو مسموعًا أو مرئيًّا.
وبذلك يصبح الإعلام الإسلاميّ منهجًا قويمًا تسير وفقه جميع النشاطات الإعلامية في
كافة الوسائل والقنوات دون أنْ يحيد نشاط واحد منها عن الطريق، أو يتناقض مع
النشاطات الأخرى سواء في الوسيلة الواحدة أو الوسائل المتعددة . وبذلك – أيضًا –
يصبح الإعلام الإسلامي حَكَمًا موضوعيًّا تتحاكم إليه جميع هذه النشاطات الإعلامية
ثم لا يجد أيُّ نشاط منها حَرَجًا في التسليم لحكمه والإذعان لتوجيهه .
وفهم الإعلام الإسلامي بهذه الصورة الشاملة،
ينسجم مع الحقيقة الأصيلة لهذا الدين، وهي أنه منهج شامل للحياة، وليس منهجًا
جزئيًا يعالج جانبًا من جوانب الواقع الإنساني، ويهمل الجوانب الأخرى. وهذا
المفهوم للإعلام الإسلامي، يُحقق في حياة الأمة الإسلامية على الدوام الاستقرار
والتوازن، ويخلصها من آثار الازدواجية والتناقض والصراع التي تعاني منها الأمة،
كلما ابتعدتْ عن منهج الله. والنشاط الإعلامي المعاصر يعاني من هذه الأمراض
الخطيرة، حيث تجد الازدواجية والتناقض في الوسيلة الواحدة فضلاً عن وجودهما في
الوسائل المتعددة، حيث تستمع إلى برنامج "ديني" يحثّ على
الفضيلة، فيعقبـه مبـاشـرةً برنامجٌ آخر يغري بالرذيلة، أو أغنيةً ماجنةً تزيّن
السقوط بصورة جذابة مشوقة!! وتشاهد في التلفاز برنامج "دينيًّا" يَبْنِي في
نفوس المشاهدين معاني الرجولة والصلاح والخير، ثم لا تلبثُ أن تصدَم في الوسيلة
نفسها بفيلم مثير، ينقض كلّ ما بنَاه البرنامج "الديني" ويهدمُه!!
والأنكى من ذلك أنْ يقدَّم البرنامج "الديني" في أسلوب جافّ وإخراجٍ رتبيب؛ فلا يجذب المشاهد ولا
يحوز على رضاه، بينما يُخْدَم الفيلم غير الديني خدمةً فائقةً؛ فيُقبل عليه الصغار
والكبار، ويتحلّق حوله الشباب والشابات في رغبةٍ وحماس!!
ولو نظرنا إلى واقع النشاط الإعلامي والنظم
الإعلامية في المجتمعات المختلفة التي لا تدين بالإسلام لوجدنا أنَّ ذلك النشاط في
كل مجتمع ينبع أصلاً من التصوّرات العَقَدية والأيديولوجية للمجتمع، وينطبع بالقيم
والتقاليد والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة فيه، ولوجدنا أن
النظام الإعلامي يخدم أساسًا الغاياتِ والأهدافَ البعيدةَ والقريبة التي يسعى المجتمع
إلى تحقيقها. فالإعلام في الدول الغربية (اللبرالية) العلمانية ينطلق من غايات
المذهب (اللبرالي) العلماني، وفلسفته، ويروّج بطرقٍ مباشرة وغير مباشرة للمنط
العلماني الغربي للحياة الذي يفصل الدين عن واقع الحياة، ويمجدّ الحرية الفردية،
ويُعلي من قيمة الأنانية، والإنجاز الشخصي، ويعمّق روح الماديّة والاستهلاكية.
والإعلام في الدول الشيوعية يصطبغ بفلسفة الأيديولوجية الماركسية، وينطلق من
غاياتها، ويروّج بطرق مباشرة وغير مباشرة للنمط الإلحادي الماركسي للحياة، الذي
يصوّر هذه الحياة بأنها صراع بين الطبقات، ويجعل الحزب "ديكتاتورًا" متسلطاً
ومهيمنًا على الناس، ويوظّف الإعلام ليكون خادمًا للسلطة ومجرد أداة لتحقيق رغبات
الحزب وشهواته!!
للإسلام – دون شك – فلسفته الإعلامية الخاصّة
به. وفي ضوء هذه الفلسفة المستقاة من المصادر الأصلية للمنهج الإسلامي، تتحدّد
معالمَ النشاط الإعلامي داخلَ المجتمع الإسلامي وخارجه. ولقد وضع الإسلام أصولاً
عامةً وقواعد كليَّةً لكافة جوانب العمليّة الإعلامية؛ ولكنَّ هذه الأصول والقواعد
مبثوثةٌ في المصادر الإسلامية المتمثّلة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم ، وفي اجتهاد فقهاء المسلمين وعلمائهم عبر العصور المتعاقبة. والإعلام اليوم
غدًا علمًا منظّمًا؛ ولذلك فإنَّ المسلمين بحاجة ماسّة إلى صياغة منظومة إعلامية
ذاتيّة لهم، تحدّد معالم الهدي الإسلامي في النشاط الإعلامي من حيث :
أ - فلسفتُه الأساسية، وإطاره الفكريّ العام
المبني على التصوّر الإسلامي للكون والحياة والإنسان وغاية الوجود الإنساني .
ب - غايتهُ الكبرىٰ، ومنهجه الأصيل في
تحقيق تلك الغاية .
ج – وظائفُه العامة والخاصة، ومدى ارتباط هذه
الوظائف بالحاجات الواقعية لأفراد المجتمع، ومقدار استجابته للظروف المحيطة بهم .
د – أساليبُه وطرقُه في تقديم
المضمون إلى الناس، ومدى مراعاة هذه الأساليب لخصائص الجمهور المتلقي للرسالة
الإعلامية، وكيفيةُ تفاعله معه.
هـ - وسائلُه وقنواته المتنوّعة سواء
التقليدية منها والحديثة، وخصائصُ الوسائل الخاصة بالإعلام الإسلامي والتي ينفرد
بها عن غيره من المذاهب الإعلامية الوضعية كقنوات الاتصال الشخصي المنظّم، وألوان
الاتصال الجمعي والدولي المتميزة، وكيفيةُ استثمارها وتوظيفها لخدمة أهداف المجتمع
المسلم وغاياته.
و – نظمهُ وسياساته العامة والخاصة والأسس
والضوابط التي يضعها الإسلام لتقنين تلك النظم وصياغتها، وترشيد السياسات
الإعلامية التي يتبنّاها.
وهذا العمل الذي يستهدف صياغةً منظومةً
أعلاميةً إسلاميةً للمجتمع الإسلامي لن يتحقّق إلاّ من خلال اجتهاد عصري يقوم به
علماء يمتلكون زادًا متينًا من العلم الشرعي، ويمتلكون أيضًا زادًا متينًا من
العلم الإعلامي في جانبيه النظري والتطبيقي. ولا بد من أن يعتمد هذا الاجتهاد
العصري على تلاحم عنصرين هامين هما:
أولاً: دراسة المصادر الأساسية للإسلام دراسة
أعلامية علمية لاستنباط الأسس والقواعد التي تنظّم العملية الإعلامية أو تُرشِد
إليها. ويَرْدِفُ هذه الدراسةَ محاولةُ الكشف عن ذخائر التراث الإسلامي عبر العصور
ممّا له صلة بالممارسة الإعلامية.
ثانيًا: دراسة نتاج البحوث والدراسات
والممارسات الإعلامية المعاصرة واستيعابها، ثمّ استلهام روح التشريع الإسلامي
ونتائج الدراسة الإعلامية العلمية لمصادر الإسلام وتراث المسلمين للوصول إلى رؤية
واضحة لما ينبغي أن يكون عليه الإعلام الإسلامي في الجوانب النظرية والتطبيقية
التي ذكرتُها آنفًا .
كيف نصل إلى الإعلام الإسلامي؟
إنّ تحقيق ثمرة هذا التصور النظري للإعلام
الإسلامي، بشموله وتكامله، لن يكون إلاّ بمحاولة الإجابة على هذا التساؤل الملحّ:
كيف نصلُ إلى الإعلام الإسلامي؟
وفي تصوّري أنَّ الوصول إلى
الإعلام الإسلامي يحتاج منّا العملَ الدؤوب في أربعة ميادين رئيسة هي:
1 – ميدان
الإعداد والتأهيل البشري :
إنَّ أهمّ الوسائل للوصول إلى تحقيق الإعلام
الإسلامي في واقعِ الحياة وأنجعها هو إعـدادُ الكفايات البشرية المتخصّصة في
الإعلام، وتأهيلُها فكريًّا، وخُلُقيًّا، وعمليًّا، ومهْنِيًّا. إنَّ الإنسان هو
العنصر الأول في إحداث أيّ تغيير مقصود. والعناية بإعداد الإعلاميّين الإسلاميّين،
وتأهيلِهم حتى يكونوا قادرين على تحمّل هذه المسؤولية الضخمة، ليس أمرًا سهلاً
قليل التكاليف، بل هو عملٌ كبير، يتطلّب منّا جهودًا عظيمةً وطاقات عديدةً. إن
الطبيب – وهو يطبّب الأبدان – يمرّ بفترةٍ صعبة ومكثّفة وطويلة من الإعداد
والتأهيل، فما بالُك بالإعلامي، وهو المعلّم، والمربّي، والقائد، والموجّه، وصانع
الرأي في المجتمع؟! إنَّ مهمّتَه – ولا شكّ – أعظمُ، ومسؤوليتَه أكبر، فهو يطبّب
النفوس، ويؤثر في العقول، ويسهم في صياغة مواقف الناس وسلوكهم. ومن ثمَّ، وَجَبَ
أن يكون تأهيلُه موازيًا لهذه المسؤولية المنوطة به ولا بدّ لإعداد الإعلامي
الإسلامي وتأهيلِه من أن يتكامل المنهج العلمي والعملي في الجوانب التالية:
أ – الإعداد الأصولي والفكري، حيث يتعرّف
الطالب على الأصول العَقَدية والفكرية والتشريعية للإسلام من خلال مجموعة مختارة
من المقررات الشرعيّة والفكريّة في القرآن الكريم، والتوحيد، والتفسير، والحديث،
والفقه، والثقافة الإسلامية.
ب – الإعداد اللغويّ والتذوقي؛ فاللغةُ وسيلة
الإعلامي؛ بل هي وعاء الفكر والثقافة؛ ولذلك لا بدّ له من أن يدرس بعض المقررات في
اللغة العربية نحوًا وصرفًا وفقًا، وأن يسعى إلى التمكّن في فنون القول، والبيان،
والأسلوب، والتعبير، والتذوق الأدبي.
ج – الإعداد التخصّصّي والمِهْني، وهذا
الإعداد لا بدّ أن يتكامل فيه الجانبُ النظري والجانب العملي التطبيقي حتى لا تصبح
دراسة الإعلام دراسةً نطريةً بحتةً. ولا بدّ من اكتساب الطالب للمهارات العملية
والمهنية المطلوبة منه في واقع الممارسة الميدانية.
د – الإعداد الثقافي العام، وهذا يتطلب
الإلمام بالواقع الذي يعيش فيه، من حيث قضاياه ومشكلاته، وأحداثه، وتياراته، كما
يتطلب الإلمام ببعض المعارف والعلوم المُعِيْنَة له على فهم هذا الواقع وتحليله،
وهي علوم وثيقة الصلة بالإعلام كعلم النفس والاجتماع، والعلوم السياسية
والاقتصادية، واللغة الأجنبية.
ولا بد من التأكيد هنا على أنَّ من مستلزمات
هذا الإعداد الصارم للإعلاميين الإسلاميين، أن يخضع الطلاب الذين يُقْبَلُون في
أقسام الإعلام لشروطٍ موزونة سواء في المجال العلمي أو الأخلاقي. ولابدّ أن يتوافر
فيهم الحدّ الأدنى من الموهبة، والاستعداد النفسي. كذلك لابدّ من التأكيد على أن
يتوافر لهؤلاء الطلاب في المحيط الأكاديمي جوّ من العلاقة الحميمة بينهم وبين
أساتذتهم، والمبنيّة على الثقة والاحترام والتهذيب التربوي والتوجيه الأخلاقي عبر
القدوة الصالحة التي يجدها الطلاب في أساتذتهم وموجهيهم. ويُعَدُّ الجانبُ التربوي
والأخلاقي ذا أهمية بالغة في مجال إعداد الإعلامي الإسلامي نظرًا للصعوبات الجمّة
والتحديّات العديدة والمغريات المتنوعة التي تصادف الإعلامي الإسلامي في حياته
العملية .
2 – ميدان
التأصيل والتنظير العلمي :
ما يزال الاهتمام بتأصيل قواعد الإعلام
وأصوله وممارساته من وجهة النظر الإسلامية، محدودًا ومتناثرًا. والمطلوب أن يتصاعد
الاهتمام العلمي بالإعلام الإسلامي تأصيلاً وتنظيرًا، وأن يركَّز على النوعيّة.
وينطلقُ هذا الاهتمام من خلال إنشاءٍ ودعم معاهد ومراكز البحوث الإعلامية، التي تهتمّ
بالإعلام الإسلامي، واستقطابِ الباحثين والدارسين الذين يتميّزون بالإخلاص والوعي
الإسلامي، والخلفيّة الشرعية، والاستيعاب العلميّ للتخصّص الإعلامي، إلى جانب
تمتّعهم بالمنهجيّة في التفكير، والتمكّن من أساليب البحث العلمي ووسائله.
ولعلَّ من الأهمّيّة بمكانٍ أن تسير هذه
الجهود العلمية التأصيلية وفق خطة مدروسة وتصوّر سليم للأولويّات، وأن تعتمد على
أسلوب فِرَق العمل الجماعية بدلاً من الأعمال والاجتهادات الفريديّة المحدودة. ولا
بد من أن تتوافر لهذا العمل التأصيلي العلمي إمكاناتٌ بشريةٌ ومادية ملائمة، كما
لابدّ من توافر قنواتٍ علميّة تُسهم في تحريكه وبلورته وانضباطه كالندوات
العلميّة، والحَلقات الدراسية، والمشاريع البحثية، والمؤتمرات واللقاءات، التي
تتلاقح فيها الأفكار، ويتبادل فيها الباحثون والدارسون الآراء، ويتناقشون فيها حول
نتائج بحوثهم ومؤلفاتهم .
3 – ميدان
الإصلاح الواقعي :
والمقصود بهذا : الإسهام الإيجابي في إصلاح
أوضاع المؤسسات الإعلامية القائمة في العالم الإسلاميّ، الرسمية منها وغير
الرسمية، وتنقيتُها من الشوائب وترشيدُ مسارها الإعلاميّ، سواء ببذل النصح
والمشورة، أو دعم الأعمال التي تخدم الإعلام الإسلامي، أو المشاركة العملية في تلك
المؤسسات والهيئات في ميادينها القيادية والإنتاجية والتقويمية.
ويبدأ الإصلاح الواقعيّ بمحاولة إيجاد قنوات
تواصلٍ وتعاونٍ بين المهتمّين بشؤون الدعوة والإرشاد والإعلام الإسلامي من جهة،
وبين العاملين في المجال الإعلامي من جهةٍ أخرى، وذلك من أجل تضييق الفجوة بينهم.
ولقد عانت الأمة من جرّاء انعزال العلماء وذوي الاتجاهات الإسلامية عن الوسائل
الإعلامية، وعدم توثيق صلاتهم وعلاقاتهم بالعاملين في هذه الوسائل. وإنَّ السعيَ
من أجل تنظيف الإعلام من الانحرافات والتشوّهات هدفٌ نبيل ويحتاج إلى تحمّل وصبر
وإدراك واقعي للظروف التي يعيش فيها الإعلام. وإنَّ انتهاج أسلوب التدرج في
الإصلاح ضرورةٌ لازمة في ضوء معرفتنا أنَّ كثيرًا من المفاسد والانحرافات التي
تحيط بوسائل الإعلام قد استغرق نشرُها وتكريسها زمنًا ممتدًا، وإصلاحها أو تخليصُ
الإعلام منها يحتاج إلى زمن ممتدّ أيضًا، وما أسهل الهدم وما أصعب البناء!!
ولا أعتقد أنَّ من الإيجابية في شيءٍ أن
ننساق وراء الدعوة إلى عدم الاستجابة لضغط الواقع في المطالبة بإنتاج البدائل
الإسلامية، والغياب عن الساحة الإعلامية، بدعوى انتظار نضوج الرؤية النظرية
للإعلام الإسلامي، أو بدعوى أنَّ الانتاجَ الإعلامي الإسلامي والمشاركةَ المحدودة
في وسائل الإِعلام القائمة لن تجد نفعًا في خضمّ التيار الجارف، وأنها ستكون صرخةً
هائمةً في وادٍ سحيق. إنَّ هذا الاتجاه السلبي – في نظري – لن يحقّق ما يصبو إليه
المخلصون للإعلام الإسلامي. والجهودُ الصغيرة المتواضعة عندما تجتمع وتتراكم
وتتواصل، لا شك أنها ستثمر بإذن الله تعالى ثمراتٍ يانعة تفيد الناس وتبقى في
المجتمع: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ تُؤْتِي
أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ
خَبِيثَةٍ أجتُثَّت مِن فَوقِ الأرضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾ (إبراهيم:
24-25).
ذو القعدة
1430 هـ = نوفمبر 2009 م ، العدد : 11 ، السنة : 33